منوعات

رفع السرّية المصرفية… إستعراضاً أم تمهيداً للتدقيق الجنائي؟

أفرج مجلس النوّاب في جلسته التي عُقدت الإثنين في قصر الأونيسكو عن قانون رَفع السرّية المصرفية في حسابات المصرف المركزي والوزارات والإدارات لمدة سنة، ربطاً بالتدقيق الجنائي والمالي، وفقاً للنّص الذي أصدره المجلس في جلسته الأخيرة رداً على رسالة رئيس الجمهورية… هذه الخطوة التي وُصفت بالإيجابية، هل ستُحيي عملية التّدقيق الجنائي أم أن عقبات جديدة ستطيح به مجدداً؟

مرّ نحو شهر على انسحاب شركة “Alvarez &Marsal” التي استعان بها مجلس الوزراء في تموز الماضي، للقيام بمهمة التدقيق المحاسبيّ الجنائيّ في مصرف لبنان؛ وكانت الفترة الممتدّة ما بين توقيع العقد مع الشركة وإنسحابها منه، قد شهدت تجاذبات وسجالات بدأت حول العقد الموقّع مع الشركة، ولم تنته عند السرّية المصرفية التي اتُّخذت ذريعة لعدم تسليم الشركة المعلومات التي طلبتها للقيام بمهتها.

لكنّ مجلس النوّاب أسقط الإثنين تلك الذّريعة التي تلطّى وراءها المصرف المركزي، خطوة عُدّت ذات أهمية كبرى لكونها محطّة مفصلية على طريق مكافحة الفساد، لكنّها في المقابل تثير نوعاً من الخشية لدى المراقبين من أن تتحوّل إلى مجرّد إجراء شكلي وأن تتعرّض لمطبات جديدة تحول دون فتح أي ملف حسابي وبالتالي كشف الفساد والهدر.

الاقتصاديون.. بين مرحّب ومتوجّس

يرى الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أنّ القانون مهم جداً، واصفاً إياه “بالمفتاح” لاستعادة الثّقة بالاقتصاد والمؤسّسات. ويعتبر عجاقة في حديث مع “أحوال” أنّ القانون بما أنه يشمل كل المؤسسات بدءاً من مصرف لبنان إلى الوزارات والإدارات، فسيسمح لأي شركة تدقيق بالحصول على الأرقام المطلوبة والعمل عليها. لكنّ عجاقة ورغم تلك الإيجابية يرى أن العبرة تبقى في التنفيذ، متخوفاً من عقبات جديدة قد تقف في طريق آلية التطبيق، ومنها تشكيل حكومة جديدة يكون إنجاز دفتر شروط جديد والتعاقد مع شركة تتولّى مهمة التدقيق من أولى مهماتها، وهنا يتوجس من التأخر أكثر في عملية التشكيل وبالتالي انقضاء المدّة التي حدّدها القانون لرفع السرّية المصرفية.

من ناحيته، أكد الخبير الاقتصادي عماد عكّوش لـ “أحوال” أن المؤسّسات التي يشملها قانون رفع السرّية المصرفية (حسابات مصرف لبنان، الوزارات، الإدارات العامة) تخضع بالأساس لرقابة ديوان المحاسبة أو إدارات خاصّة كمفوّضية الحكومة لدى مصرف لبنان، والتي وظيفتها التدقيق في حسابات وسجلاّت ومستندات مصرف لبنان؛  وبالتالي، يضيف عكوش، أن لا سرّية مصرفية لمصرف لبنان يمكن أن يتحجّج بها مقابل هذه المفوضية، كما لا سرّية مصرفية يمكن أن تتحجّج بها الوزارات والإدارات العامة مقابل تفتيش وتدقيق ديوان المحاسبة، متسائلاً: أين الهدف، وأين الجديد في هذا القانون؟

هل الإجتهاد مفتوح على مصراعيه؟

ويرى عكوش أن المرتجى من رفع السرية المصرفية هو الوصول الى معلومات خاصة عبر مصرف لبنان تشمل العديد من النّقاط، على سبيل المثال لا الحصر:

– حقيقة الهندسات المالية التي قام بها المصرف المركزي.

– ماهي كلفة تثبيت سعر صرف الدولار؟

– من قام بالتحويلات للخارج خلال السنتين الماضيتين؟

– أسماء المستفيدين من قروض مصرف لبنان والكلفة الحقيقية لدعم هذه القروض.

– المصاريف الكبيرة المدفوعة لبعض وسائل الأعلام وبعض الأعلاميين.

– الإحتياطي الحقيقي للعملات الصعبة اليوم، وحقيقة الذهب.

– حقيقة بيع كميات كبيرة من الدولار للصرافين والمصارف بالسعر الرسمي.

– حجم خسائر مصرف لبنان الحقيقية.

ويشدّد عكوش على أن هذه التساؤلات تحتاج الى التدقيق ورفع السرّية المصرفية عن حسابات المصارف التجارية، الصّرافين، وبعض الأفراد والمؤسسات. ويسأل، هل هذا القانون يشملها، أم أن الإجتهادَ مفتوح على مصراعيه كالعادة، ولن تطال هذه المؤسسات عمليات التفتيش والتدقيق؟ واعتبر عكّوش أن عملية إقرار هذا القانون على أهميته، بهذا التعتيم وعدم الوضوح، قد يكون مقصوداً لعدم الوصول الى النتائج المطلوبة.

ملاحظات على القانون تضعه في خانة الشكّ

القانون خطوة ايجابيّة ومهمّة، يؤكد رئيس منظمة جوستيسيا المحامي بول مرقص لـ”أحوال”، لكنّه يرى في المقابل أن صياغتة غير كاملة وتحتمل التأويل لمن يريد أن يتشدّد بتطبيق النصوص. ويضيف مرقص، مثلا  يمكن لمصرف لبنان – وإن كنت لا أرجح ذلك- أن يعتبر أن المؤسسات الخاصة بما فيها المصارف غير مشمولة بالتعديل القانوني؛ وعليه يرى أنه كان الأجدر بالمجلس النيابي تعديل المادة ١٥١ من قانون النقد والتسليف حسماً لأي جدل أوللاصطياد “في الماء العكر”.

ويتخوّف مرقص من بروز معوّقات أخرى، بسبب غياب الإرادة السياسية العارمة برفع الغطاءات السياسية عن زبائن الجماعات السياسيّة في الإدارات والمؤسّسات العامة، لافتاّ إلى أن هذا الأمر اهمّ حتّى من رفع السرّية المصرفية.

4 أسباب قد تؤدّي إلى تعطيل أي مفعول إيجابي

المفكّرة القانونية من جهتها لحظت أربعة أسباب من شأنها تعطيل أي مفعول إيجابي للقانون.

ويشير في هذا الإطار المدير التنفيذي للمفكّرة نزار صاغية لـ”أحوال” إلى أن الفخّ الأول الذي وُضع هو رمي القانون على الحكومة التي يعود لها تحديد حاجات التدقيق وتقريره، فيما لا حكومة حالياً وقد لا تقرّر الحكومة المنتظرة أي تدقيق. ولأن العقد لسنة واحدة فإنه يُخشى بحسب صاغية إنقضاء شهور من دون حكومة وقبل تعيين شركة مدققة.

وبما أن القانون هو لصالح الشركة المدققة فقط، فإن ذلك يمنع القضاء من الملاحقة على أساس ما تصل إليه من نتائج وبالتالي لا يؤدّي إلى المحاسبة. وفيما يشير صاغية إلى أن القانون المُقرّ يشمل حسابات مصرف لبنان والإدارات والمؤسسات، يلفت إلى أن النائب جورج عدوان قد شطب من اقتراحه عبارة سابقة “أياً تكن طبيعتها” كانت موضوعة في النصّ، وهو ما يفتح الباب أمام تذرّع حاكم المصرف بأنه لا يشمل علاقته مع المصارف وحسابات المصارف لديه.

منال إبراهيم

 

 

منال ابراهيم

صحافية لبنانية. تحمل الإجازة في الإعلام من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى